للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ، لَا صِيَاحٍ، وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ فَإِنْ عَجَزَ أَمْسَكَهُ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ، وَلَهُ ذَا النَّوْعُ فِي

ــ

[مغني المحتاج]

رَاكِبًا وَمَاشِيًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩] [الْبَقَرَةَ] وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (وَيُعْذَرُ) كُلٌّ مِنْهُمْ (فِي تَرْكِ) تَوَجُّهِ (الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ أَوْ تَقَدَّمُوا عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ) كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ يُعْذَرُ فِيهَا (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْمَشْيِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا مَا نَسَبَاهُ لِلْأَكْثَرِينَ.

وَالثَّانِي لَا يُعْذَرُ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي هَذَيْنِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ، وَالثَّالِثُ يُعْذَرُ فِيهَا لِدَفْعِ أَشْخَاصٍ دُونَ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي دَفْعِهِ. أَمَّا الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي فَمُحْتَمَلٌ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْمُتَوَالِي بِلَا حَاجَةٍ فَتَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا (لَا صِيَاحٍ) فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ، وَكَذَا يُبْطِلُهَا النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَيُلْقِي) وُجُوبًا (السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ) دَمًا لَا يُعْفَى عَنْهُ حَذَرًا مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَفِي مَعْنَى إلْقَائِهِ جَعْلُهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَمَّا ذُكِرَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدَّ (أَمْسَكَهُ) لِلْحَاجَةِ (وَلَا قَضَاءَ) لِلصَّلَاةِ حِينَئِذٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْمَجْزُومِ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابَيْ التَّيَمُّمِ وَشُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَلَطُّخَ السِّلَاحِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحَاضَةَ.

وَالثَّانِي: يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْفَتْوَى عَلَيْهِ اهـ.

وَلَوْ تَنَجَّسَ سِلَاحُهُ بِغَيْرِ الدَّمِ بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عَنْهَا أَمْسَكَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ) بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (وَ) جَعَلَ (السُّجُودَ أَخْفَضَ) مِنْ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَاشِي وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ فِي التَّحَرُّمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَاشِي الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ. تَنْبِيهٌ هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَنْصُوبَانِ بِتَقْدِيرِ " جَعَلَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَرَّرُ (وَلَهُ ذَا النَّوْعِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>