للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ.

وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ، وَتَخَشُّعٍ وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ،

ــ

[مغني المحتاج]

(وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادِ فِي الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْعُ الْغَيْثِ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إذَا بَخَسَ النَّاسُ الْمِكْيَالَ مُنِعُوا قَطْرَ السَّمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: ١٥٩] تَلْعَنُهُمْ دَوَابُّ الْأَرْضِ تَقُولُ: مُنِعَ الْمَطَرُ بِخَطَايَاهُمْ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ أَمَرَ بِهَا الْإِمَامُ أَمْ لَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَظَالِمِ دَاخِلٌ فِيهَا، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ. لَكِنْ لِعَظَمِ أَمْرِهِمَا وَكَوْنِهِمَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ فَهُمَا مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.

(وَيَخْرُجُونَ) أَيْ النَّاسُ مَعَ الْإِمَامِ (إلَى الصَّحْرَاءِ) بِلَا عُذْرٍ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فَلَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ غَالِبًا، وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ تَبَعًا لِلنَّصِّ إلَى مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَسَعَتِهَا لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نُجَنِّبَهُمْ الْمَسَاجِدَ (فِي الرَّابِعِ) مِنْ صِيَامِهِمْ (صِيَامًا) لِحَدِيثِ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ» الْمُتَقَدِّمِ، وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُسَنَّ فِطْرُ يَوْمِ الْخُرُوجِ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ كَمَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاجَّ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ، وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثَمَّ آخِرُ النَّهَارِ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَة مُضْعِفَةٌ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهِ هُنَا. فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا، نَعَمْ إنْ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ، وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلَا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ (فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مِهْنَةٌ، وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ: أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ، وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ (وَ) فِي (تَخَشُّعٍ) وَهُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا التَّذَلُّلُ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّرْته أَنَّ " تَخَشُّعٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى " ثِيَابِ " لَا عَلَى بِذْلَةٍ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وُصْلَةٌ لَهَا، وَيُسَنُّ لَهُمْ التَّوَاضُعُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَيَتَنَظَّفُونَ بِالسِّوَاكِ، وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَبِالْغُسْلِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُونَ فِي آخَرَ مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِمْ، لَا حُفَاةً مَكْشُوفِي الرُّءُوسِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي: " لَوْ خَرَجَ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ " بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ (وَيُخْرِجُونَ) مَعَهُمْ نَدْبًا (الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ) وَالْعَجَائِزَ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحَ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ إذْ الْكَبِيرُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>