للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْأَصَحِّ

، وَالنَّفِيسُ كَيَاقُوتٍ فِي الْأَظْهَرِ

وَمَا ضُبِّبَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً لِزِينَةٍ حَرُمَ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا، أَوْ صَغِيرَةً لِزِينَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً لِحَاجَةٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[مغني المحتاج]

مَعَ حُصُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمُمَوَّهِ بِهِ أَوْ الصَّدَأِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقِلَّةِ الْمُمَوَّهِ بِهِ فِي الْأُولَى فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ فِي الْأُولَى لِكَثْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ فِي الثَّانِي لِقِلَّتِهِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، وَكَذَا اتِّخَاذُهُ فِي الْأَصَحِّ أَخَذًا مِمَّا سَبَقَ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ.

وَالثَّانِي يَحْرُمُ ذَلِكَ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ فِي الْأُولَى وَالتَّضْيِيقِ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِ الْبَيْتِ وَجُدْرَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، وَتَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا

(وَ) يَحِلُّ (النَّفِيسُ) بِالذَّاتِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ أَيْ: اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ (كَيَاقُوتٍ) وَفَيْرُوزَجَ، وَبِلَّوْرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَمِرْجَانٍ، وَعَقِيقٍ، وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الطِّيبِ الْمُرْتَفِعِ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ.

وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ. أَمَّا النَّفِيسُ بِالصَّنْعَةِ كَزُجَاجٍ وَخَشَبٍ مُحْكَمِ الْخَرْطِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ طِيبٍ غَيْرِ مُرْتَفِعٍ فَيَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي غَيْرِ فَصِّ الْخَاتَمِ. أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

فَائِدَةٌ: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اتَّخَذَ خَاتَمًا فَصُّهُ يَاقُوتٌ نُفِيَ عَنْهُ الْفَقْرُ» قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ بَاعَ خَاتَمَهُ فَوَجَدَ بِهِ غِنًى. قَالَ: وَالْأَشْبَهُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ كَمَا أَنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا تُغَيِّرُهُ، وَقِيلَ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ أَمِنَ مِنْ الطَّاعُونِ وَتَيَسَّرَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْمَعَاشِ وَيَقْوَى قَلْبُهُ وَتَهَابُهُ النَّاسُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، فَمَسَحَهُ الْمُشْرِكُونَ فَاسْوَدَّ مِنْ مَسْحِهِمْ، وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَى عَلِيًّا فَصًّا مِنْ يَاقُوتٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَفَعَلَ، وَأَتَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِمَ زِدْتَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا فَعَلْتُ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ؛ فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكَ: أَحْبَبْتَنَا فَكَتَبْتَ اسْمَنَا، وَنَحْنُ أَحْبَبْنَاكَ فَكَتَبْنَا اسْمَكَ»

(وَمَا ضُبِّبَ) مِنْ إنَاءٍ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً) وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَإِنْ قَلَّ (لِزِينَةٍ حَرُمَ) اسْتِعْمَالُهُ وَاتِّخَاذُهُ، وَأَصْلُ الضَّبَّةِ أَنْ يَنْكَسِرَ الْإِنَاءُ فَيُوضَعَ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ نُحَاسٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ غَيْرُهُ لِتَمْسِكَهُ، ثُمَّ تَوَسَّعَ الْفُقَهَاءُ فَأَطْلَقُوهُ عَلَى إلْصَاقِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْكَسِرْ (أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا) يَحْرُمُ لِلصِّغَرِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ.

وَلِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: «رَأَيْتُ قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ: أَيْ: انْشَقَّ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ» أَيْ شَدَّهُ بِخَيْطِ فِضَّةٍ، وَالْفَاعِلُ هُوَ أَنَسٌ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا (أَوْ صَغِيرَةً) وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا (لِزِينَةٍ أَوْ كَبِيرَةً) كُلُّهَا (لِحَاجَةٍ جَازَ) مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلصِّغَرِ وَلِقُدْرَةِ مُعْظَمِ النَّاسِ عَلَى مِثْلِهَا، وَكُرِهَ لِفَقْدِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْحَاجَةِ وَكُرِهَ لِلْكِبَرِ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ نَظَرًا لِلزِّينَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>