وَالْمَرِيضُ آكَدُ.
ــ
[مغني المحتاج]
أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُسْتَحَبٍّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَالْمَرِيضُ آكَدُ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِمَّا تَجِبُ مِنْهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا رَدُّ الْمَظَالِمِ الْمُمْكِنِ رَدُّهَا، وَصَرَّحَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ مَعَ دُخُولِهِ فِي التَّوْبَةِ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَلِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِيَتَنَاوَلَ رَدَّ الْعَيْنِ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ، وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُمَا كَانَ أَوْلَى.
(وَالْمَرِيضُ آكَدُ) بِذَلِكَ: أَيْ أَشَدُّ طَلَبًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الصَّحِيحِ لِنُزُولِ مُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ بِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمَرَضِهِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الْأَنِينِ مِنْهُ جُهْدَهُ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِكَرَاهَتِهِ، وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فِيهِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ.
وَيُسَنُّ لِأَهْلِهِ الرِّفْقُ بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْ يُحَسِّنَ الْمَرِيضُ خُلُقَهُ، وَيَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَيَسْتَرْضِيَ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ كَزَوْجَتِهِ وَجِيرَانِهِ وَيَتَعَهَّدُ نَفْسَهُ بِالذِّكْرِ وَأَحْوَالِ الصَّالِحِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهِ عِيَادَتُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَهُ قَرَابَةٌ أَوْ جِوَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ اُسْتُحِبَّ وَفَاءً بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجِوَارِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» وَإِلَّا جَازَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْمَدِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا بَيْنَ الصَّدِيقِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ.
قَالَ: وَفِي اسْتِحْبَابِ عِيَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ وَالْمُكُوسِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ وَلَا جِوَارٌ وَلَا رَجَاءُ تَوْبَةٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِمُهَاجَرَتِهِمْ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلْتَكُنْ الْعِيَادَةُ غِبًّا فَلَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْتَأْنِسُ بِهِمْ الْمَرِيضُ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ عَدَمُ رُؤْيَتِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُوَاصِلُونَهَا مَا لَمْ يُنْهَوْا أَوْ يَعْلَمُوا كَرَاهَتَهُ ذَلِكَ،.
وَيُخَفِّفُ الْعَائِدُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَلْ تُكْرَهُ إطَالَتُهُ، وَيُطَيِّبُ عَائِدُهُ نَفْسَهُ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ رَغَّبَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَنْصَرِفُ، وَيُسَنُّ فِي دُعَائِهِ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، لِخَبَرِ «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ، فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَيُكْرَهُ عِيَادَتُهُ إنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ وَوَعْظُهُ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَيَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٤] [الْإِسْرَاءِ] .
ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِ الْمُحْتَضَرِ، فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute