وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ
ــ
[مغني المحتاج]
عِنْدَهُ سُورَةُ الرَّعْدِ لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ، وَيُسَنُّ تَجْرِيعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ، فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ «أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى نَسْقِيَكَ» نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ الثَّبَاتَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.
وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَحْضُرَ الْمُحْتَضَرَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ؛ لِمَا وَرَدَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ وَالصُّورَةَ وَغَيْرَ الْحَائِضِ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِثْلُهَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ بِلَا يَجُوزُ بَدَلُ يُكْرَهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ (وَلْيُحْسِنْ) الْمَرِيضُ نَدْبًا (ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) أَيْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ وَيَرْجُو ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ يَجِبُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا رَأَى مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوتِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ، وَأَخْذِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا الِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالطِّيبُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ، أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُغَلِّبَ خَوْفَهُ عَلَى رَجَائِهِ، وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: ١٣] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: ١٤] [الِانْفِطَارُ] وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى.
(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) نَدْبًا لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ: شَخَصَ. قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَشْرَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ) عَرِيضَةٍ تَعُمُّهُمَا وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلَ فِيهِ الْهَوَامُّ (وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) بِأَنْ يَرُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَمُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ، وَذَلِكَ لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (بِثَوْبٍ) فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ» وَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ نَوْعٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ تُنْسَجُ بِالْيَمَنِ، وَسُجِّيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute