وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا.
وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُعَزَّى
ــ
[مغني المحتاج]
وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَفُسِّرَ فِيهِ الْجُلُوسُ بِالْحَدَثِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَجَرَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ عَلَى الْحُرْمَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَقَبْرِ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ» وَمَا وَرَدَ <m s= ١> مِنْ الْأَمْرِ بِإِلْقَاءِ السِّبْتِيَّتَيْنِ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لِبَاسِ الْمُتَرَفِّهِينَ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ، وَالنِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ (وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ لَهُ (حَيًّا) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا احْتِرَامًا لَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَادَتُهُ مِنْهُ الْبُعْدَ وَقَدْ أَوْصَى بِالْقُرْبِ مِنْهُ قَرُبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ يُهَابُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِكَوْنِهِ جَبَّارًا كَالْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ.
(وَالتَّعْزِيَةُ) لِأَهْلِ الْمَيِّتِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ (سُنَّةٌ) فِي الْجُمْلَةِ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» نَعَمْ الشَّابَّةُ لَا يُعَزِّيهَا أَجْنَبِيٌّ وَإِنَّمَا يُعَزِّيهَا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا، وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَابْنُ خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمَمْلُوكِ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزَّى بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَتَّى الزَّوْجَةُ وَالصَّدِيقُ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَتُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَضْعَفِهِمْ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ، وَخُرِّجَ بِقَوْلِنَا فِي الْجُمْلَةِ تَعْزِيَةُ الذِّمِّيِّ بِذِمِّيٍّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ لَا مَنْدُوبَةٌ، وَهِيَ لُغَةً التَّسْلِيَةُ عَمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ، وَتُسَنُّ (قَبْلَ دَفْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شِدَّةِ الْجَزَعِ وَالْحَزَنِ (وَ) لَكِنْ (بَعْدَهُ) أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ إلَّا إنْ أَفْرَطَ حُزْنُهُمْ فَتَقْدِيمُهَا أَوْلَى لِيُصَبِّرَهُمْ، وَغَايَتُهَا (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا مِنْ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ، وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ الْمَحْبُوسُ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ، وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدِّدُ حُزْنَهُ، وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِمَكَانٍ لِيَأْتِيَهُمْ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ وَيُكَلِّفُ الْمُعَزِّيَ.
وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ» فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ لِيُعَزُّوهُ (وَيُعَزَّى) بِفَتْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute