وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَّى.
وَمَنْ صَلَّى لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تُؤَخَّرُ لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ
ــ
[مغني المحتاج]
فَرْعٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ فِي وَقْتِ فَضِيلَةٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ وَالْعِيدِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ. فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ مَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَدُفِنَ فِي يَوْمِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» .
(وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فَحَضَرَ مَنْ) أَيْ شَخْصٌ (لَمْ يُصَلِّ) عَلَيْهِ (صَلَّى) عَلَيْهِ نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى عَلَى قُبُورِ جَمَاعَةٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا دُفِنُوا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَتَقَعُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فَرْضًا كَالْأُولَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ الدَّفْنِ أَمْ بَعْدَهُ فَيَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَيُثَابُ ثَوَابَهُ.
(وَمَنْ صَلَّى) عَلَى مَيِّتٍ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ (لَا يُعِيدُ) هَا: أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ تَقَعُ نَفْلًا، نَعَمْ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَتَطَهَّرُ بِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، وَالثَّانِي يُسَنُّ إعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ، سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. وَالثَّالِثُ: إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً سُنَّ لَهُ الْإِعَادَةُ مَعَهُمْ لِحِيَازَةِ فَضِيلَتِهَا وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: تُكْرَهُ إعَادَتُهَا. وَالْخَامِسُ: تَحْرُمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى ثَانِيًا وَقَعَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً لَا تَنْعَقِدُ، بَلْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ تَقَعُ فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَالشَّفَاعَةَ لَهُ صَحَّتْ دُونَ غَيْرِهَا.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَتَقَعُ صَلَاتُهُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا مَرَّ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا. .
أُجِيبَ بِأَنَّ السَّاقِطَ بِالْأُولَى عَنْ الْبَاقِينَ حَرَجُ الْفَرْضِ لَا هُوَ، وَقَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غَيْرَ فَرْضٍ وَبِالدُّخُولِ فِيهِ يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَحَدِ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَالَ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ، بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ، وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا.
(وَلَا تُؤَخَّرُ) الصَّلَاةُ (لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» وَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِ الْوَلِيِّ عَنْ قُرْبٍ مَا لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ.
تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُهُ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إذَا حَضَرَ جَمْعٌ قَلِيلٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا يُنْتَظَرُ غَيْرُهُمْ لِيَكْثُرُوا. نَعَمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: إذَا كَانُوا دُونَ أَرْبَعِينَ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُهُمْ عَنْ قُرْبٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مَطْلُوبٌ فِيهَا، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ لِلْأَرْبَعِينَ.
قِيلَ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ أَرْبَعُونَ إلَّا كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ وَلِيٌّ، وَحُكْمُ الْمِائَةِ كَالْأَرْبَعِينَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ مَنْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ لَا تُنْتَظَرُ جَمَاعَةٌ أُخْرَى لِيُصَلُّوا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى بَلْ يُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْرَاعَ بِالدَّفْنِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ؛ وَالصَّلَاةَ لَا تَفُوتُ بِالدَّفْنِ.
(وَقَاتِلُ نَفْسِهِ) حُكْمُهُ (كَغَيْرِهِ فِي) وُجُوبِ (الْغُسْلِ) لَهُ (وَالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ