وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ
وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ
ــ
[مغني المحتاج]
فَيُنْبَشْ لِيُعْرَفَ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي أَنَّ الْمَدْفُونَ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى لِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِي الْمُنَاسَخَاتِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهَا مَا إذَا تَدَاعَيَا مَوْلُودًا وَدُفِنَ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ لِيُلْحِقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ دُفِنَ الْكَافِرُ فِي الْحَرَمِ فَيُنْبَشُ وَيُخْرَجُ.
أَمَّا بَعْدَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَلَا يَحْرُمُ نَبْشُهُ بَلْ تَحْرُمُ عِمَارَتُهُ وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ لِظَنِّهِمْ بِذَلِكَ عَدَمَ الْبِلَى. قَالَ الْمُوَفَّقُ حَمْزَةُ الْحْمُويُّ فِي مُشْكَلِ الْوَسِيطِ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أَوْ مَنْ اُشْتُهِرَتْ وِلَايَتُهُ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ عِنْدَ الِانْمِحَاقِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ، فَإِنْ قَضِيَّتَهُ جَوَازُ عِمَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَعَ جَزْمِهِمَا هُنَا بِأَنَّهُ إذَا بَلَى الْمَيِّتُ لَمْ تَجُزْ عِمَارَةُ قَبْرِهِ وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» (١) رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَفَنْتُمُونِي فَأُقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلَ قَبْرِي سَاعَةً قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمُ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي.
وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ الدَّفْنِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا. لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيَقْعُدُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ الطِّفْلُ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ تَكْلِيفٌ فَلَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ.
(وَ) يُسَنُّ (لِجِيرَانِ أَهْلِهِ) وَلِأَقَارِبِهِ الْأَبَاعِدِ وَإِنْ كَانَ الْأَهْلُ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ (تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ) أَيْ أَهْلَهُ الْأَقَارِبَ (يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرٍ: اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute