تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ، وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْأَصْنَافِ.
وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ وَكَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ،
ــ
[مغني المحتاج]
دَاخِلَيْنِ فِي التَّبْوِيبِ، فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِالْفَصْلِ، وَلِهَذَا عَقَدَ فِي الرَّوْضَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ: بَابًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَبَابًا فِي تَعْجِيلِهَا، وَبَابًا فِي تَأْخِيرِهَا.
(تَجِبُ الزَّكَاةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَيْهَا نَاجِزَةٌ (إذَا تَمَكَّنَ) مِنْ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِدُونِهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَإِنْ أَخَّرَ أَثِمَ وَضَمِنَ إنْ تَلِفَ كَمَا سَيَأْتِي. نَعَمْ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا مَرَّ (وَذَلِكَ) أَيْ التَّمَكُّنُ (بِحُضُورِ الْمَالِ) فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ. نَعَمْ إنْ مَضَى بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ إلَى الْغَائِبِ فِيهَا صَارَ مُتَمَكِّنًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ (وَ) حُضُورُ (الْأَصْنَافِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ حُضُورُ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي لِاسْتِحَالَةِ الْإِعْطَاءِ بِدُونِ الْقَابِضِ، وَبِجَفَافِ الثِّمَارِ، وَتَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَالْمَعْدِنِ، وَخُلُوِّ الْمَالِكِ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ، وَإِنْ حَضَرَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّتَهُمْ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِيَتَرَوَّى حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِرِينَ، وَكَذَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ، أَوْ لِانْتِظَارِ الْأَفْضَلِ مِنْ تَفْرِقَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ. نَعَمْ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ حِينَئِذٍ ضَمِنَ.
(وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ) وَهُوَ النَّقْدَانِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَالرِّكَازُ كَمَا مَرَّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَبْضِهَا لِلْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يُزَكِّي فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَدِّهَا وَإِلَّا ادْفَعْهَا إلَيَّ. وَكَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مُبَاشَرَةِ السَّفِيهِ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ (وَكَذَا الظَّاهِرُ) وَهُوَ النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرُ وَالْمَعْدِنُ كَمَا مَرَّ (عَلَى الْجَدِيدِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَاطِنِ، وَالْقَدِيمُ يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] الْآيَةَ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، هَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ، فَإِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا بَذْلًا لِلطَّاعَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ، إذْ لَا نَظَرَ لَهُ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ الْجَائِرُ بِغَيْرِهِ لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ قَاتَلَهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: نُسَلِّمُهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْفُسِنَا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَذْلِ الطَّاعَةِ (وَلَهُ) مَعَ الْأَدَاءِ فِي الْمَالَيْنِ (التَّوْكِيلُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِي أَدَائِهِ: كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ جِوَارُ تَوْكِيلِ الْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي الصَّبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَافِرِ (وَالصَّرْفُ) بِنَفْسِهِ وَوَكِيلِهِ (إلَى الْإِمَامِ) أَوْ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَأَقْدَرُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَلِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute