للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، تَرْكُهَا

ــ

[مغني المحتاج]

تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ وَلَوْ شَابًّا (تَرْكُهَا) حَسْمًا لِلْبَابِ، إذْ قَدْ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُحَرِّكَةٍ وَهِيَ مُحَرِّكَةٌ؛ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسَنُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا (قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» .

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ، وَقَالَ: الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرَبَهُ، وَالشَّابُّ يُفْسِدُ صَوْمَهُ» فَفَهِمَ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ.

قَالَ الشَّارِحُ: وَعَدَلَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلَيْهِمَا: تُحَرِّكُ إلَى حَرَّكَتْ لِمَا لَا يَخْفَى يَعْنِي أَنَّا إذَا قُلْنَا: تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ يَكُونُ ذَلِكَ شَامِلًا لِمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَلِمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ مُرَادًا، وَإِذَا قُلْنَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ لَمْ تَشْمَلْ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيكَ الْقُبْلَةِ الشَّهْوَةَ أَخَصُّ مِنْ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ الْمُطْلَقِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ أَيْ بِسَبَبِ الْقُبْلَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّحْرِيكِ.

فَائِدَةٌ: سَأَلَ رَجُلٌ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ]

سَلْ الْعَالِمَ الْمَكِّيَّ هَلْ فِي تَزَاوُرٍ ... وَضَمَّةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جُنَاحُ

فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ]

فَقُلْتُ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُذْهِبَ التُّقَى ... تَلَاصُقُ أَكْبَادٍ بِهِنَّ جِرَاحُ

قَالَ الرَّبِيعُ: فَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ كَيْفَ أَفْتَى بِهَذَا، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَعْرَسَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ، فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ يُقَبِّلَ أَوْ يَضُمَّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَأَفْتَيْتُهُ بِهَذِهِ الْفُتْيَا اهـ. وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ.

(وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ) أَمَّا الْفَصْدُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الْحِجَامَةُ؛ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (١) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ» .

وَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ بِسَنَتَيْنِ، وَزِيَادَةٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِب وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ» .

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. نَعَمْ الْأَوْلَى تَرْكُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ.

فَائِدَةٌ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ فِيهَا شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>