وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ لَا الْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ.
وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ،
ــ
[مغني المحتاج]
فِيهَا كَالْمَرِيضِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُسْتَثْنَى الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتْ سِتَّة عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَنْ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْمُسْتَأْجَرَةِ عَدَمُ لُزُومِ التَّمَتُّعِ لِلْأَجِيرِ بِأَنَّ الدَّمَ ثَمَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ، وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ اللَّازِمَةِ لِلْمُرْضِعِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَحِلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ.
(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ) فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ فِي الْأَظْهَرِ مَعَ الْقَضَاءِ (مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ) آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ (مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ) بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ بِجَامِعِ الْإِفْطَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِفِطْرِهِ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَهُوَ حُصُولُ الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ وَالْخَلَاصُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَفْطَرَ لِتَخْلِيصِ مَالٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقَ بِهِ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَجِبُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَفْهُومِ تَقْيِيدِ الْقَفَّالِ بِالْمَالِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْبَهِيمَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْحَيَوَانَ الْمُحْتَرَمَ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ، بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ لَوْلَا مَا قَدَّرْته، وَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلْحَيَوَانِ الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ، وَالثَّانِي: لَا يُلْحَقُ بِهَا لِأَنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهِ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (لَا لِلْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ) فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ فِي الْأَصَحِّ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْفِدْيَةِ تَوْقِيفٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالثَّانِي: يُلْحَقُ بِهِمَا فِي اللُّزُومِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَعَدِّيهِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِطْرَ الْمُرْضِعِ وَنَحْوِهَا ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ لَمَّا حَصَلَ مَقْصُودُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. تَعَلَّقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ، وَإِنَّمَا هِيَ حِكْمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَبِمَا ذُكِرَ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ بَعْضًا مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ لِلسَّهْوِ فَقَدْ قَالُوا هُنَاكَ: إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَبْرِ مِنْ السَّهْوِ.
(وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُ (مَعَ إمْكَانِهِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرَ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ) لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا بِذَلِكَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَأْثَمُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُدُّ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute