للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَوْرِ، وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ.

ــ

[مغني المحتاج]

الْفَوْرِ، وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ تَدَارُكًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ) يَحْرُمُ قَطْعُهُ (فِي الْأَصَحِّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ يَشْرَعُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ضَبْطَ الْفَوْرِ بِالتَّعَدِّي يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَسَعُ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، سَوَاءٌ أَفَاتَ بِعُذْرٍ أَمْ لَا، وَقَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ مَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى الْفَوْرِ بِقَوْلِهِ: إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ التَّشْبِيهُ بِالصَّائِمِينَ، فَقَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِمَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ قَضَاءَهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ عَلَى مَنْ أَكَلَ عَلَى ظَنِّ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَاَلَّذِي يَمِيلُ الْقَلْبُ إلَيْهِ إلْحَاقُ يَوْمِ الشَّكِّ بِذَلِكَ، وَيَأْتِي انْقِسَامُ الْقَضَاءِ إلَى مَا يَكُونُ بِالتَّعَدِّي وَإِلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.

خَاتِمَةٌ: أَفْضَلُ الشُّهُورِ لِلصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبٌ» خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ بَاقِيهَا ثُمَّ شَعْبَانُ لِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ، فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ، وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ، وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ، وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ، وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ، لَكِنْ فِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ أَفْضَلُ مِنْهُ؟ .

أُجِيبَ بِلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَتْ تَعْرِضُ لَهُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ» ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ.

وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِنَفْلٍ، فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، وَعِلْمُهَا بِرِضَاهُ كَإِذْنِهِ، وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ. أَمَّا صَوْمُهَا فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ.

فَإِنْ قِيلَ هَلَّا جَازَ صَوْمُهَا مَعَ حُضُورِهِ، وَإِذَا أَرَادَ التَّمَتُّعَ بِهَا تَمَتَّعَ وَفَسَدَ صَوْمُهَا.

أُجِيبَ بِأَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ التَّمَتُّعَ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ يُهَابُ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يَلْحَقُ بِالصَّوْمِ صَلَاةُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لِقِصَرِ زَمَنِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>