للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ بَطَلَ، وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ.

وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى إنْ لَمْ يُخْرَجْ،

ــ

[مغني المحتاج]

فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُتَتَابِعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا فِي الْجَمِيعِ؛ لِإِذْنِهِمَا فِي الشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ تَمَكُّنِهِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ. لَكِنْ إنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ اعْتِكَافُ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي مَنْفَعَتِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: صَوَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِمَا لَا يُخِلُّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِهِ أَوْ لِإِمْكَانِ كَسْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَهُوَ كَالْقِنِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ، وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ.

(وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ) مُتَعَدِّيًا (بَطَلَ) اعْتِكَافُهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ وَسُكْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ) فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ، وَهُوَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَبْنِيَانِ. أَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَتَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا فِي السُّكْرِ فَإِلْحَاقًا بِالنَّوْمِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَبْنِي الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِهَذَا تَجُوزُ اسْتِتَابَتُهُ فِيهِ وَلَا يَبْنِي السَّكْرَانُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ لِلْآيَةِ، وَالرَّابِعُ: يَبْنِي السَّكْرَانُ دُونَ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ كَالنَّوْمِ وَالرِّدَّةُ تُنَافِي الْعِبَادَةَ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ لَا حُبُوطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ مِنْ حَيْثُ التَّتَابُعُ، وَهَذَا فِي السَّكْرَانِ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الثَّوَابَ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْمَوْتِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِ فَهِيَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. فَإِنْ قِيلَ ثَنَّى الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ فِي اعْتِكَافِهِمَا، وَالْأَوْلَى إفْرَادُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ هُنَا بِأَوْ، وَقَدْ أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْرَدًا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ هُوَ الْفِعْلُ، وَالضَّمِيرُ لَيْسَ عَائِدًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالسَّكْرَانِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ، عَلَيْهِمَا فَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِمَا.

(وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ) عَلَى الْمُعْتَكِفِ (لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى) مِنْ اعْتِكَافِهِ الْمُتَتَابِعِ (إنْ لَمْ يُخْرَجْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَا عَرَضَ لَهُ، فَإِنْ أَخْرَجَ مَعَ تَعَذُّرِ ضَبْطِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ أَيْضًا كَمَا لَوْ حَمَلَ الْعَاقِلُ مُكْرَهًا، وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ بِمَشَقَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لِاسْتِوَاءِ حُكْمِهِمَا. أَمَّا لَوْ طَرَأَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ كَالسُّكْرِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>