هُوَ فَرْضٌ وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الْأَظْهَرِ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَكَأَنَّمَا صَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ وَزَكَّى وَرَابَطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَغَزَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّا دُعِينَا إلَيْهِ وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. رُوِيَ " أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَك بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ ". وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا، وَقِيلَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ إلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ، وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ (هُوَ فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] [آلَ عِمْرَانَ] الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ، وَلِحَدِيثِ «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا، قَالُوا: كَيْفَ نَحُجُّ قَبْلَ أَنْ لَا نَحُجَّ؟ قَالَ أَنْ تَقْعُدَ الْعَرَبُ عَلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ يَمْنَعُونَ النَّاسَ السَّبِيلَ» وَهُوَ إجْمَاعٌ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَ؟ فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي، وَقِيلَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَصَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ فِي الثَّامِنَةِ حَكَاهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَقِيلَ فِي التَّاسِعَةِ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.
وَقِيلَ فِي الْعَاشِرَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» قِيلَ: إنَّ رَجُلًا قُتِلَ وَأُوقِدَ عَلَيْهِ النَّارُ طُولَ اللَّيْلِ فَلَمْ تَعْمَلْ فِيهِ وَبَقِيَ أَبْيَضَ الْبَدَنِ فَسَأَلُوا سَعْدُونَ الْخَوْلَانِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ، قَالُوا: نَعَمْ. وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِعَارِضٍ: كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ (وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] [الْبَقَرَةَ] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ، وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute