وَلَوْ بَذَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
وَكَالْوَلَدِ فِي هَذَا الْوَالِدُ (وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ) وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (الطَّاعَةَ) فِي النُّسُكِ بِنَفْسِهِ (وَجَبَ قَبُولُهُ) وَهُوَ الْإِذْنُ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يَأْذَنْ الْحَاكِمُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْحَجَّ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّرَاخِي (وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ) لَوْ بَذَلَ الطَّاعَةَ يَجِبُ قَبُولُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمَحَلُّ اللُّزُومِ إذَا وَثِقَ بِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ حَجٌّ وَلَوْ نَذْرًا، وَكَانُوا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُمْ فَرْضُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُونُوا مَعْضُوبِينَ، وَلَوْ تَوَسَّمَ الطَّاعَةَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَزِمَهُ أَمْرُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ طَاعَتُهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ إعْفَافِهِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَا عَلَى الْوَالِدِ بِامْتِنَاعِ وَلَدِهِ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ لَا يَأْثَمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَحِقَ الْوَالِدَ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا مَاشِيًا أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ مُعَوَّلًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ وَلَوْ رَاكِبًا، أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَغْرُورًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ يَرْكَبُ مَفَازَةً لَيْسَ فِيهَا كَسْبٌ وَلَا سُؤَالٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولٌ فِي ذَلِكَ لِمَشَقَّةِ مَشْيِ مَنْ ذُكِرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْكَسْبُ قَدْ يَنْقَطِعُ وَالسَّائِلُ قَدْ يَرُدُّ وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ حَرَامٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ وَالْمُكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَا يُعْذَرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْقَبُولُ فِي الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُطِيعُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ عَنْ طَاعَتِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ جَازَ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ.
وَإِذَا رَجَعَ فِي الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُطَاعِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَعْضُوبُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَوْ مِنْ اسْتِنَابَةِ الْمُطِيعِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ مَنْ عَضَبَ مُطْلَقًا فِي الْإِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَلَوْ مَاتَ الْمُطِيعُ أَوْ رَجَعَ عَنْ الطَّاعَةِ أَوْ مَاتَ الْمُطَاعُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إمْكَانِ الْحَجِّ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّةِ الْمُطَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مُطِيعٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْمَالِ وَلَا بِطَاعَةِ الْمُطِيعِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَعُمْرَتِهِ كَمَا فِي النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ وَهِيَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بِهَا لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَلَوْ قَالَ الْمَعْضُوبُ: مَنْ يَحُجُّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَمَنْ حَجَّ عَنْهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ أَوْ سَمِعَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْهَا اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ اثْنَانِ مُرَتَّبًا اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَعَ جَهْلِ سَبْقِهِ أَوْ بِدُونِهِ وَقَعَ حَجُّهُمَا عَنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَ فَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِ، وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا كَأَنْ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ ثَوْبٌ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.
خَاتِمَةٌ: الِاسْتِئْجَارُ فِيمَا ذُكِرَ ضَرْبَانِ: اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ، وَاسْتِئْجَارُ ذِمَّةٍ، فَالْأَوَّلُ كَاسْتَأْجَرْتُكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute