للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوًى وَيَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

سِوَاهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ مَكَّةَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي سُوقِ مَكَّةَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَكْرِيُّ: وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إلَيْك» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَكَارَتِهِ وَضَعْفِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِيضَاحِ: الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُهُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَحْذُورَةِ وَ (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلَ الْجَائِيُّ (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ (بِذِي طُوًى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَطَوًى بِالْقَصْرِ وَتَثْلِيثِ الطَّاءِ وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ: وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ. يَعْنِي مَبْنِيَّةً بِهَا، وَالطَّيُّ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الدَّاخِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحَاجِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُقْتَضَى حَدِيثِ، الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُهُ لِمُحْرِمٍ وَحَلَالٍ وَالرَّاجِحُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ. أَمَّا الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِبَيَانِ مَحِلِّهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ ذِي طُوًى، وَأَمَّا الْجَائِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَالْيَمَنِ فَيَغْتَسِلُ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لَمْ يَبْعُدْ اهـ.

وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ (وَ) أَنْ (يَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا، وَهِيَ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَوَّبَهُ لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَجَ إلَيْهِ قَصْدًا، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ تَخْصِيصَهُ بِالْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِلْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي كَدَاءٍ مِنْ الْحِكْمَةِ الْآتِيَةِ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا، وَفِي الْغُسْلِ مِنْ قَصْدِ النَّظَافَةِ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» ، وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِي الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>