وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا، وَأَنْ يُسَمِّيَ رَمْيًا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ،
ــ
[مغني المحتاج]
وَإِنَّمَا تُسَنُّ فِيهِ كَمَا فِي الطَّوَافِ، لَوْ تَرَكَ حَصَاتَيْنِ لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُمَا احْتَاطَ وَجَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةً مِنْ ثَالِثَةٍ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ كَانَتْ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ) الرَّمْيِ بِالْيَدِ، وَكَوْنُ (الْمَرْمِيِّ حَجَرًا) لِلِاتِّبَاعِ فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ عَنْ قَوْسٍ، وَلَا الرَّمْيُ بِالرِّجْلِ، وَلَا بِالْمِقْلَاعِ، وَلَا بِالرَّمْيِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَلُؤْلُؤٍ وَإِثْمِدٍ وَزَرْنِيخٍ وَجِصٍّ وَجَوْهَرٍ، وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ بِأَنْوَاعِهِ كَيَاقُوتٍ وَحَجَرِ حَدِيدٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُجْزِئُ حَجَرُ نُورَةٍ لَمْ يُطْبَخْ بِخِلَافِ مَا طُبِخَ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى حَجَرًا بَلْ نُورَةً (وَأَنْ يُسَمَّى رَمْيًا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) فِي الْمَرْمَى لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا، وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ.
فَإِنْ قِيلَ: ذِكْرُ اشْتِرَاطِ الرَّمْيِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ سِيقَ لِبَيَانِ التَّعَدُّدِ لَا لِلْكَيْفِيَّةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ هُنَا احْتِيَاطًا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا قَصْدُ الْجَمْرَةِ بِالرَّمْيِ، فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهَا كَأَنْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَمْ يَكْفِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّتِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَأَصَابَهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَا يُجْزِئُ.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ اهـ.
بَلْ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَبْعُدَ عَنْهُ احْتِيَاطًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى، فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ أَجْزَأَهُ، وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَحَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ: مَوْضِعُ الرَّمْيِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ، وَرَمْيُ كَثِيرِينَ مِنْ أَعْلَاهَا بَاطِلٌ اهـ.
وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَالسُّنَّةُ) فِي رَمْيِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ (أَنْ يَرْمِيَ) الْجَمْرَةَ لَا بِحَجَرٍ كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ جِدًّا بَلْ (بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا فِي قَدْرِ الْبَاقِلَّاءِ، فَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ بِأَصْغَرَ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ، وَهَيْئَةُ الْخَذْفِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِ الْإِبْهَامِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَرْمِيهِ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ حَصَى الْخَذْفِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَرْفَعَ الذَّكَرُ يَدَهُ بِالرَّمْيِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَأَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي رَمْيِ التَّشْرِيقِ، وَأَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا لَا رَاكِبًا إلَّا فِي يَوْمِ النَّفْرِ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ رَاكِبًا لِيَنْفِرَ عَقِبَهُ، وَأَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي كَمَا مَرَّ فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ عُلْوٍ، وَأَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْجَمْرَةِ فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ حَصَى الرَّامِينَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَدْعُو وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةَ، وَكَذَا بَعْدَ رَمْيِ الثَّانِيَةِ لَا الثَّالِثَةِ، بَلْ يَمْضِي بَعْدَ رَمْيِهَا لِلِاتِّبَاعِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute