وَلَا دَمَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: إذَا قُلْنَا بِالتَّدَارُكِ فَتَدَارَكَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَدَاءٌ، وَالْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لَهُ وَقْتُ اخْتِيَارٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالْأَيَّامِ، وَالْأَيَّامُ حَقِيقَةً لَا تَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ الْمَنْعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي.
وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَيْضًا الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمَنْعَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ رَمْيٌ فَصَارَ كَاللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ، وَالْمَنْعَ فِي الثَّانِي بِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ مَمْنُوعٌ فِي التَّدَارُكِ، فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى زَوَالِ شَمْسِهِ كَمَا مَرَّ. وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنْ خَالَفَ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ. فَلَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ وَسَبْعًا عَنْ يَوْمِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ يَوْمِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّائِبَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ نَفْسِهِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ مُنِيبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا اقْتَضَاهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَدَارُكِهِ مَعَ الْبَيَاتِ بِمِنًى، وَالْكَلَامُ الَّذِي سَبَقَ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ، فَامْتِنَاعُ تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ فِي حَقِّهِمْ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالْمَبِيتِ لَيْلَتَيْنِ، وَرَمْيِ يَوْمَيْنِ، فَامْتَنَعَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ أَتَى بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِشِعَارِهِ فَسُومِحَ بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ يَوْمَيْنِ، هَذَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَا تَقَدَّمَ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَمَا هُنَا فِي وَقْتِ الْجَوَازِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. فَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِينَ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ عَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ تَنَاقُضًا.
(وَلَا دَمَ) مَعَ التَّدَارُكِ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهُ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً لِحُصُولِ الِانْجِبَارِ بِالْمَأْتِيِّ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فِي رَمْيِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الرَّمْيِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ. وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ طُرُقًا وَاخْتِلَافًا كَثِيرًا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ) لِوُقُوعِ الْجَمْعِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةً كَمَا سَيَأْتِي. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» وَفِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدٌّ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ مُدَّانِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْجَمْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. أَمَّا لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْجَمْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِبُطْلَانِ مَا بَعْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ كَمَا مَرَّ. وَقِيلَ إنَّمَا يَكْمُلُ الدَّمُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ كَمَا يَكْمُلُ فِي وَظِيفَةِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَقْوَالُ فِي حَقِّ الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدَّ طَعَامٍ وَالثَّانِي دِرْهَمًا، وَالثَّالِثُ ثُلُثُ دَمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute