للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلْمَعْذُورِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ.

الرَّابِعُ: الْجِمَاعُ

ــ

[مغني المحتاج]

الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا اخْتَارَ الدَّمَ، فَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا صَوْمُ يَوْمٍ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ، أَوْ الطَّعَامَ فَفِي وَاحِدَةٍ صَاعٌ، وَفِي اثْنَتَيْنِ صَاعَانِ، نَقَلَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ: إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَلَامُ الْعِمْرَانِيِّ إنْ ظَهَرَ عَلَى قَوْلِنَا: الْوَاجِبُ ثُلُثُ دَمٍ لَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِنَا: الْوَاجِبُ مُدٌّ إذْ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَالشَّخْصُ لَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَعْضِهِ وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، وَهُوَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَعْضِهِ، وَلَوْ انْسَلَّ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ سَلَّهُ الْمُشْطِ بَعْدَ انْتِتَافِهِ أَوْ نَتَفَهُ فَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّ النَّتْفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَمْتَشِطَ وَأَنْ يُفْلِي رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ لَا جَسَدَهُ بِأَظْفَارِهِ لَا بِأَنَامِلِهِ (وَلِلْمَعْذُورِ) فِي الْحَلْقِ لِإِيذَاءِ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٨٤] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ فِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اُدْنُ فَدَنَوْتُ، فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قَالَ ابْنُ عَوْفٍ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» .

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا، وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَمْنُوعٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ صُوَرٌ لَا فِدْيَةَ فِيهَا. مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ مَا نَبَتَ مِنْ الشَّعْرِ فِي عَيْنِهِ وَتَأَذَّى بِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ قَدَمًا يُغَطِّيهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إذَا طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِيَ مِنْهُ فَقَطْ، وَيَأْثَمُ الْحَالِقُ بِلَا عُذْرٍ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَوْ حَلَقَ شَخْصٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، أَوْ أَحْرَقَتْ نَارٌ شَعْرَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَلْقِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَمْرِ فَلِمَ قَدَّمَ عَلَيْهَا؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ عَلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ، فَإِنْ حَلَقَ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ وَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِ أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ وَلَوْ حَلَالًا لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ، وَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِهِ، وَلِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهَا فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَلَوْ أَخْرَجَهَا الْمَحْلُوقُ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْحَالِقِ لَمْ تَسْقُطُ عَنْهُ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا سَقَطَتْ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ حَلْقُ شَعْرِ الْحَلَالِ، وَلَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ نَحْوَهُ فَحَلَقَ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ إنْ جَهِلَ الْحَالِقُ الْحَالَ، أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِقِ.

(الرَّابِعُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (الْجِمَاعُ) بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>