وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ.
وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ، فَإِنْ شَرَطَهُ تَحَلَّلَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ،
ــ
[مغني المحتاج]
الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَلَوْ وَاحِدًا.
(وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ) بِمُعْجَمَةٍ، وَهِيَ طَائِفَةٌ أُحْصِرَتْ مِنْ بَيْنِ الرُّفْقَةِ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَمْ يَعُمَّ الْكُلَّ، فَأَشْبَهَ الْمَرَضَ وَخَطَأَ الطَّرِيقِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ لِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا أَوْ لَا يَتَحَمَّلُ. وَأَمَّا الْحَصْرُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمَانِعُ الثَّانِي بِأَنْ حُبِسَ ظُلْمًا: كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْمُفْلِسَ الْمَحْبُوسَ ظُلْمًا يَتَحَلَّلُ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ كَمَا فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُبِسَ تَعَدِّيًا لَمْ يَسْتَفِدْ بِالتَّحَلُّلِ الْخَلَاصَ مِمَّا فِيهِ كَالْمَرِيضِ وَلُحُوقُ الْمَشَقَّةِ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، إذْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَرِيضِ، بَلْ حَالُ الْمَرِيضِ آكَدُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّحَلُّلِ بِالْحَبْسِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ، فَالْمَرِيضُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ مَعَهُ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا. أَمَّا إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ، كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ مُتَمَكِّنٍ مِنْ أَدَائِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَيَمْضِيَ فِي نُسُكِهِ، فَلَوْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ مَكَّةَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ.
(وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) وَنَحْوِهِ كَضَلَالِ طَرِيقٍ، وَفَقْدِ نَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ، بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا، أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلُّلٌ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ التَّحَلُّلُ بِهِ (فَإِنْ شَرَطَهُ) بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فِي إحْرَامِهِ: أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ مَثَلًا (تَحَلَّلَ) جَوَازًا (بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ " بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ " بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّرْطِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْسِ الْمَوْتُ أَوْ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ أَوْ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَلِظَاهِرِ خَبَرِ ضُبَاعَةَ، فَالتَّحَلُّلُ يَكُونُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ أَوْ نَحْوِهِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَرِضْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ فَأَنَا حَلَالٌ فَوَجَدَ الْعُذْرَ صَارَ حَلَالًا بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمْلُ خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَإِنْ شَرَطَ قَلْبَ الْحَجِّ عُمْرَةً بِذَلِكَ جَازَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ بَلْ أَوْلَى، فَلَهُ إذَا وَجَدَ الْعُذْرَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً وَتُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَنْقَلِبَ حَجُّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْعُذْرِ فَوَجَدَ الْعُذْرَ انْقَلَبَ عُمْرَةً وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ لَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute