إنْ خَفَّتْ كَهُدْبٍ وَإِلَّا فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنْ الْوَجْهِ.
الثَّالِثُ: غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ (إنْ خَفَّتْ كَهُدْبٍ) فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَثُفَتْ (فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا) وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا لِعُسْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ مَعَ الْكَثَافَةِ الْغَيْرِ النَّادِرَةِ، وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غَرْفَةَ غَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ الْكَرِيمَةُ كَثِيفَةً وَبِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ذَلِكَ غَالِبًا، فَإِنْ خَفَّ بَعْضُهَا وَكَثُفَ بَعْضُهَا وَتَمَيَّزَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْخَفِيفِ وَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ إفْرَادَ الْكَثِيفِ بِالْغَسْلِ يَشُقُّ، وَإِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْخَفِيف لَا يُجْزِئُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّعْرُ الْكَثِيفُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ عَنْ الْمُخَاطَبِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ، وَالْعَارِضَانِ: وَهُمَا الْمُنْحَطَّانِ عَنْ الْقَدْرِ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ كَاللِّحْيَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفُ، وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ مِنْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَةِ كَثَافَتِهَا، وَلِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهَا إزَالَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِي غَسْلِ مَا ذُكِرَ إنْ لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى ذُكُورَتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
فَإِنْ، قِيلَ: إيجَابُ ذَلِكَ فِي الْكَثِيفِ عَلَيْهِمَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا لَكِنَّهُ دَائِمٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّادِرَ الدَّائِمَ كَالْغَالِبِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلِسِ الْبَوْلِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيُلْحَقُ نَادِرُ كُلِّ جِنْسٍ بِغَالِبِهِ مَعَ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَأْتِي فِي الْمَرْأَةِ لِلْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ غَسْلُ سِلْعَةٍ نَبَتَتْ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي شُعُورِ الْوَجْهِ إذَا كَانَتْ فِي حَدِّهِ، أَمَّا الْخَارِجَةُ عَنْهُ فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا مُطْلَقًا إنْ خَفَّتْ كَمَا فِي الْعُبَابِ، وَظَاهِرُهَا فَقَطْ مُطْلَقًا إنْ كَثُفَتْ كَمَا فِي الرَّوْضِ، بَلْ عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَكْتَفِي بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَ فِي هَذِهِ الشُّعُورِ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنْ) حَدِّ (الْوَجْهِ) مِنْ لِحْيَةٍ وَغَيْرِهَا كَالْعَذَارِ خَفِيفًا كَانَ أَمْ كَثِيفًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ.
وَمَنْ لَهُ وَجْهَانِ وَكَانَ الثَّانِي مُسَامِتًا لِلْأَوَّلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا كَالْيَدَيْنِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ رَأْسَانِ كَفَى مَسْحُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوَجْهِ غَسْلُ جَمِيعِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى وَجْهًا، وَفِي الرَّأْسِ بَعْضِ مَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَعْضِ أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
(الثَّالِث) مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ يَدَيْهِ) مِنْ كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ لِلْآيَةِ وَالْإِجْمَاعِ (مَعَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَسْكُنُ بِقِلَّةٍ (مِرْفَقَيْهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ عَكْسِهِ أَوْ قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعُبَابِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ إلَى آخِرِهِ» ، وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute