وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ.
وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
كَذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مَنُوطٌ بِالتَّفَرُّقِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَاكَ مَنُوطٌ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ الْحَالِفِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا نَفْتَرِقُ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا هُنَا. أَمَّا إذَا تَبِعَهُ فَالْخِيَارُ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَبَاعَدَا كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّبَاعُدَ قَوْلُ الْبَسِيطِ: إنْ لَحِقَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى مَسَافَةٍ يَحْصُلُ بِمِثْلِهَا الْمُفَارَقَةُ عَادَةً فَالْخِيَارُ بَاقٍ وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِلُحُوقِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي مَنْ ضَبَطَهُ بِفَوْقَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ (وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ) فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ أَوْ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مُتَفَاحِشِ السَّعَةِ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ، وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ صَغِيرٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ أَوْ صُعُودِهِ السَّطْحَ، وَلَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِإِقَامَةِ سِتْرٍ وَلَوْ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ بَاقٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَاهُ أَوْ يُبْنَى بِأَمْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِالْحُصُولِ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ: وَلَوْ تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ مِنْ بَعْدُ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ مَا لَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ، فَإِنْ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ جِهَةَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِدَوَامِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ حُكْمُ مَا لَوْ تَبَايَعَا بِالْمُكَاتَبَةِ.
(وَلَوْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا (فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ) أَيْ الْخِيَارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (إلَى الْوَارِثِ) وَلَوْ عَامًّا (وَ) فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى (الْوَلِيِّ) مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ وَإِلَى السَّيِّدِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْمَأْذُونِ لَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ سَوَاءٌ فِيهِ عَقْدُ الرِّبَا وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ، وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْ ذُكِرَ فِي الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُ مَعَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ الْخِيَارُ وَامْتَدَّ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَوَصَلَهُ الْخَبَرُ امْتَدَّ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْحَيَاةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ وَفِي مَعْنَاهَا مُفَارَقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute