وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّ خِيَارَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ وَالْجَارِيَةَ وَالْأَتَانَ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا، وَفِي الْجَارِيَةِ وَجْهٌ،
ــ
[مغني المحتاج]
الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ بِغَيْرِ شَيْءٍ جَازَ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَعَيَّنَ التَّمْرُ هُنَا وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضًا وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْقِيمَةِ وَالِاقْتِيَاتِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؟ . .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ ضَرْبِ تَعَبُّدٍ وَالْمَقْصُودَ فِي الْفِطْرَةِ سَدُّ الْخَلَّةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّمْرُ فَقِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ لَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ إنْ شَاءَ وَاسْتَرَدَّ صَاعَهُ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الرِّبَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُسُوخِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُصَرَّاةُ فِي عَقْدٍ تَعَدَّدَ الصَّاعُ بِعَدَدِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْبَعْضِ بِعَيْبٍ هَلْ يَتَعَدَّدُ الصَّاعُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَعَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَته، وَلَوْ رَضِيَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الْحَلْبِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ بَدَلِ اللَّبَنِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ غَيْرَ الْمُصَرَّاةِ بَعْدَ حَلْبِهَا بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ بَدَلَ اللَّبَنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَنًى بِجَمْعِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ) وَقِلَّتِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا تَخْتَلِفُ غُرَّةُ الْجَنِينِ بِاخْتِلَافِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ وَلَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.
وَالثَّانِي: يَخْتَلِفُ فَيُقَدَّرُ التَّمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بِقَدْرِ اللَّبَنِ فَقَدْ يَزِيدُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ عَنْهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِيَارَهَا) أَيْ: الْمُصَرَّاةِ (لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ) مِنْ الْحَيَوَانِ (وَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ) بِالْمُثَنَّاةِ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً "؛ وَلِأَنَّ لَبَنَهَا مَقْصُودٌ لِلتَّرْبِيَةِ. وَالثَّانِي: مُخْتَصٌّ بِالنَّعَمِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يُقْصَدُ لَبَنُهُ إلَّا عَلَى نُذُورٍ (وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا) بَدَلَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ غَالِبًا، وَلَبَنَ الْأَتَانِ نَجِسٌ لَا عِوَضَ لَهُ (وَفِي الْجَارِيَةِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا بَدَلَ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّهُ كَلَبَنِ النَّعَمِ فِي صِحَّةِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَرُدُّ بَدَلَهُ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قُوتٍ آخَرَ: وَجْهَانِ فِي النِّهَايَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ الْأَوَّلُ وَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَجْرِي فِي الْأَتَانِ، وَطَرَدَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ مَشْرُوبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ رَدَّ الصَّاعِ جَازَ فِي كُلِّ مَأْكُولٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute