فتسيل به الأودية وينتفع به أهل الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصفر -أي النحاس الأصفر- وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس، وشبه الباطل، في سرعة اضمحلاله وزواله، بالزبد الذي يرمي به السيل، وبزبد تلك المعادن، الذي يطفو فوقها إذا أذيبت، وليس في الزبد منفعة، وليس له دوام ".
وقوله تعالى:{فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي أخذ كل واد من الماء بحسبه، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها من جهة استعدادها سعة وضيقا، وقوله {ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ} مثل معدن الذهب والفضة، وقوله {أَوْ مَتَاعٍ} مثل معدن الحديد والنحاس، وقوله:{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} أي إذا اجتمع الحق والباطل فإن الباطل لا يثبت أمام الحق ولا يدوم، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع ما يسبك في النار من مختلف المعادن، بل يذهب ويضمحل.
جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه الله بما بعثني، ونفع به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به). {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ