منذ عهد مبكّر يسّر الله الأسباب للتمرّس بالقرآن الكريم، قراءةً وتجويداً، تلقّياً وتلقيناً، دراسة وتدريساً. ومن حُسْنِ الحظ أن أخذت علم التفسير على شيوخ كبار، بعضهم في المغرب وبعضهم في المشرق، فتعرّفت عن كثب، وأدركت عن بيّنة، عظمة رسالة القرآن، التي هي أكبر نعمة أنعم الله بها على الإنسان، واقتنعت كامل الاقتناع بأنّ مَنْ أهّلته الأقدار لتلقي هذه الرسالة يجب عليه أن يقوم بنشرها على أوسع نطاق، وأن يبذل النفس والنفيس في سبيل تبليغها إلى الناس كافة.
وكان من ذلك ما تطوّعت به في العشرينات والثلاثينات من إلقاء دروس ومحاضرات في تفسير بعض السور وبعض الآيات، بمساجد الرّباط ومساجد تطوان. ثم ما كرّست له قسماً كبيراً من وقتي وجهدي في الأربعينات، من الإقبال على تفسير القرآن الكريم كل يوم بين العشاءين، خلال سنتين متواليتين بالمسجد الأعظم بطنجة، وخلال سنة ثالثة بالمسجد المحمدي والمسجد العتيق بالدّار البيضاء. وكانت هذه الدروس العامة التي احتككت فيها بالشعب المؤمن احتكاكاً يومياً مباشراً فرصة للتأكد من جديد -إن كانت هناك حاجة إلى التأكيد- بما يحدثه كتاب الله من تعبئة روحية، وتأثير عميق، وانقلاب سريع في نفوس المؤمنين والمؤمنات. فكتاب الله هو الذي أحيا من المسلمين الموات،