الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}. كما بين وجه الحكمة فيه، وأن الغرض منه ليس هو إرهاق المكلفين بالجوع والعطش وكبت الشهوة، وإنما المراد منه ثمرته الروحية، التي تتجلى في سلوك المؤمن أثناء صيامه، ثم بعد انقضاء شهر الصيام، طيلة بقية شهور العام، وهي ما يكتسبه الصائم بفضل الصوم من تقوى القلب وتهذيب النفس، وذلك قوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. بعد قوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}. وقوله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. على حد قوله تعالى في آية أخرى تشير إلى الأضاحي والهدايا بمناسبة موسم الحج وعيد الأضحى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}.
ثم تفضل الحق سبحانه وتعالى فأشعر المؤمنين برفقه ولطفه، إذ جعل فريضة الصيام {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}. فلم يفرض عليهم صوم الدهر، وإنما طالبهم بالصيام مدة شهر، هو أحق الشهور بالذكر والشكر {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}. {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. - {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وتخفيفا عن المسلمين ورحمة بهم، اكتفى منهم بصيام النهار دون وصال بالليل، فقال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}. - {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
وإمعانا في الرفق والرحمة بعباده، لم يجعل الحق سبحانه وتعالى أي حرج على المريض والمسافر في الإفطار خلال أيام المرض وأثناء