وواضح من سياق هذه الآيات أنها واردة في معرض امتنان الله على عباده، والامتنان لا يقع إلا بمحلل لا بمحرم، فالماء واللبن والعسل كلها حلال، و " السكر " الوارد معها في نفس السياق لا يصح أن يفهم منه معنى المسكر الحرام، وإنما معناه ما يستخرج من الثمرات والفواكه الناضجة ذات المواد السكرية بشكل عادي، كعصير الرطب والعنب، وبذلك يظل سياق الآيات كله منسجما ومتلائما في الامتنان بما هو حلال.
ويؤكد هذا الفهم قول أبي عبيد:" السكر نقيع التمر الذي لم تمسه النار " نقله عنه ابن منظور في (لسان العرب)، ويزيد هذا الفهم تأكيدا ورود قوله تعالى في نفس السياق:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، عقب قوله:{سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، مباشرة ودون فاصل، فالعقل الذي يتمكن من التدبر العميق والتفكير السليم في آيات الله ونعمه هو العقل الذي لم تفسده المسكرات والمخدّرات، بل بقي مصونا من كل ما يفسده، سليما من كل ما يلوثه.
ولا شك أن النفع العميم الذي يناله الخلق بواسطة هذه النعم الإلهية يتطلب منهم مقابلتها والاستزادة منها بالحمد والشكر، كما أن الحكمة الربانية البارزة في إيجادها من العدم، وإمداد الخلق بها دون انقطاع، تتطلب منهم الإيمان بمبدعها، والتوجه بالطاعة إلى ممدهم بها:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.