وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في هذا الربع:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}.
وكما اتجه كتاب الله بجملة من الأوامر والنواهي إلى مختلف الأفراد فخاطبهم بها فردا فردا، اتجه أيضا بجملة من الأوامر والنواهي ذات الصبغة الجماعية إلى الأمة الإسلامية في مجموعها، وهذه الأوامر والنواهي تتعلق " بالكليات الضرورية " التي تتوقف حياة المجتمع الإسلامي عليها كل التوقف، وبدونها يتعذر العمران، ويفشو الانحلال، ويضيع الأمن ويفسد النظام، فقال تعالى داعيا إلى " حفظ النسل " والإبقاء عليه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}، وقال تعالى داعيا إلى " حفظ العرض " وصيانة النسب: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}،وقال تعالى داعيا إلى " حفظ النفس " وصيانة الأرواح: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}،وقال تعالى داعيا إلى " حفظ المال " وتنميته، والابتعاد في كسبه عن كل غش أو تدليس:{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}، وقال تعالى داعيا إلى " حفظ الدين " والتزام ميثاق التوحيد الذي واثق الله به عباده وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} - {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} - {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}.