المفاضلة، التي عقدها إبليس نفسه بين شخصه وبين آدم أبي البشر، إذ قال فيما حكى عنه كتاب الله في سورة الأعراف وسورة ص:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[١٢، ٧٦].
والمعروف أن الملائكة خلقوا من نور، بينما الجن خلقوا من نار، والإنس خلقوا من طين، وبهذا البيان يتضح لجميع الأذهان أن الآيات الأخرى التي ورد فيها ذكر {إبليس} مستثنى من {الملائكة} إنما ورد ذكره فيها على معنى " الاستثناء المنقطع " الذي يعتبر فيه " ما بعد إلا " خارجا عما ورد قبلها لا داخلا فيه، وأنه لا سبيل إلى حمله على " الاستثناء المتصل " لتخالف الأصلين، وتباين الطبيعتين، قال تعالى في سورة الحجر:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}[الآية: ٢٧]، وقال تعالى في سورة الرحمان:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الآية: ١٥].
ثم لفت كتاب الله أنظار بني آدم إلى العداوة المتأصلة بينهم وبين إبليس وذريته، وأن هذه العداوة الراسخة والدائمة التي يكنها إبليس لآدم وذريته كافية لأن تجعلهم على حذر من موالاته ومتابعته، فكيف يعادون ربهم، ويوالون عدوهم، وذلك قوله تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}. وقد حذر كتاب الله في غير ما سورة وغير ما آية بني الإنسان، من مطاوعة الشيطان، ومواجهة خالقهم ورازقهم بالتمرد والعصيان، لما في ذلك من سوء العاقبة ومنتهى الخسران،