وفيما يخص الجدار المائل الذي كان على وشك الانقضاض فسواه فاستقام، دون أن يتقاضى عليه أجرا، رغما عن إلحاح موسى، يقول:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}.
ثم يعقب على ذلك كله بما يدفع كل اعتراض على أعماله، أو انتقاد لتصرفاته فيقول:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}، وهذا التعقيب يؤكد ما وصفه به كتاب الله في مطلع هذه القصة إذ قال تعالى في شأنه:{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
إذن، فكل ما فعله إنما فعله يوحي من الله وعن أمره، ويحضر للذهن هنا قول إسماعيل الذبيح لأبيه إبراهيم الخليل فيما حكاه الله في قصته {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات: ١٠٢].
ومن لطائف التفسير المتناقل في هذه الآيات، ما نقله القرطبي من أنها كانت حجة على موسى لا له، ذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي: يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم؟ إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى:{إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ}، [طه: ٣٨ - ٣٩] وقوله تعالى: