والعالمين الذين يحبط أعمالهم فلا يقيم لها أي وزن، منبها إلى أن نعمة القبول إنما يحظى بها الذين " أمنوا وعملوا الصالحات " فلا بد من أن يكون الإيمان بالله واليوم الآخر هو الحافز إلى العمل والدافع إليه، ولا بد من أن يكون العمل صالحا في نفسه، بحيث تتحقق به مصلحة، يؤدي إلى صلاح، أما الأعمال التي لا تنبثق عن الإيمان بالله، أو تؤدي إلى الفساد في الأرض، دون أن يتحقق بها أي خير أو صلاح فلا عبرة بها، ولا قيمة لها يوم الحساب، ولا يشفع في عمل الكافر أن يكون ظاهره خيرا ومصلحة، لأنه فاقد لروح العمل، التي هي الإيمان بالله وبلقائه، ونية التقرب إليه بالعمل، والثقة بحسن جزائه.
وإلى الأخسرين أعملا يشير قوله هنا:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} ثم فسر معنى الأخسرين أعمالا فقال: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} أي عملوا أعمالا على غير هدى، ظانين أنهم على شيء، وأن أعمالهم منظور إليها بعين الرضا والقبول {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} أي فلا وزن لهم عندنا يومئذ ولا اعتبار {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا}، قال ابن كثير:" هذه الآية عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية، وهو يحسب أنه مصيب فيها، ويظن أن عمله مقبول وهو مردود ".