عَلِيًّا}. وفي حديث الإسراء الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بإدريس وهو في السماء الرابعة فحياه إدريس بقوله:(مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح) وقد حمل بعض مفسري السلف قوله تعالى هنا: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} على ان المراد به أن إدريس رفع إلى السماء ولم يمت، على غرار تفسيرهم لقوله تعالى في شأن عيسى:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}[النساء: ١٥٨]، وحمله آخرون على شرف النبوة والزلفى عند الله.
وبعدما استعرض كتاب الله هذه المجموعة المختارة من الأنبياء والرسل من زكريا إلى إدريس كنموذج صالح للاقتداء والاتباع، منوها بنصر الله لهم ولدعوتهم، معرفا بقدرهم عنده ومكانتهم، أجمل كتاب الله القول مرة ثانية عن عموم الأنبياء، وأثنى على سلسلتهم الذهبية أعطر ثناء، فقال تعالى مشيرا إلى جنسهم على العموم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ}[الآية: ٥٨]، وكأنه يقول لخاتم الأنبياء والمرسلين نفس ما قاله له في آية أخرى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[الأنعام: ٩٠]. ثم مضى كتاب الله يقول في حقهم جميعا:{وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} أي أنهم إذا سمعوا كلام الله في كتبه المنزلة، وتدبروا حججه البالغة، خشعت قلوبهم، واهتزت جوارحهم، فخروا على أذقانهم ساجدين لعظمة الله، باكين من خوف الله، قال ابن كثير:" فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هنا، اقتداء بهم، واتباعا لهم ".