أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى* إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}، كما تناول في ختام هذه السورة نفسها تحديد أعباء الرسالة المحمدية ومسؤولياتها، فقال تعالى:{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} - {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}.
وقوله تعالى:{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} يفيد معنى أساسيا هو إثبات أن الله تعالى عندما بعث إلى الإنسانية خاتم رسله، إنما أراد إسعاد البشر بالحنيفية السمحة. فقد بعث إليهم رسولا {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف: ١٥٧]، وهذا المعنى يؤكد قوله تعالى في آية ثانية:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى في آية ثالثة:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]. فلا إرهاق في أي من أوامر الله، ولا تكليف بما فوق الطاقة في أي نهي من نواهيه، بل إن شعائر الإسلام وشرائعه تدخل كلها في نطاق المقدور الميسر لجميع المكلفين نساء ورجالا، ومعنى (الشقاء) في اللغة العناء والتعب.
ويتصل بهذا المعنى بوجه من وجوه المناسبة أن كتاب الله رغما عما يتضمنه من حقائق ودقائق ورقائق تحاول البشرية أن تكشف عن مدلولاتها جيلا بعد جيل، ورغا عما اتسم به كتاب الله من إعجاز في اللفظ والمعنى والأسلوب، فقد يسره الله للذكر والفهم والاعتبار، وجعله قريبا من فطرة الناس التي فطرهم