أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}. ومعنى {بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} جعلناه يبوء إليه ويقيم فيه، كقوله تعالى في آية أخرى {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا}[العنكبوت: ٥٨].
والجمع بين عبادة الأوثان وقول الزور هنا في قران واحد، والأمر باجتنابهما معا في آن واحد، مبني على ما يوجد بينهما من ارتباط وثيق، فالشرك في الحقيقة هو رأس الزور، لأن المشرك بالله يزعم زورا وبهتانا أن الوثن يستحق العبادة، ويشهد له بالقدرة على الضر والنفع وغيره من صفات الكمال، التي هي من صفات الله وحده دون سواه، وكل قول من أقوال الزور يلتقي مع الشرك في أنه كذب وباطل، وغير مطابق للحقيقة.
وقوله تعالى:{يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فيه وعد من الله لإبراهيم بتلبية الناس لندائه إلى حج البيت، وأنهم ستهوي أفئدتهم إليه، ويقبلون عليه، مشاة وركبانا، بمختلف الوسائل التي يملكونها في كل عصر، وجاء التعبير ب " يأتوك " بدلا من " ياتوا " البيت " مثلا، كأن من أتى الكعبة حاجا أتى إبراهيم، لأن النداء إلى الحج إنما وصل إلى الناس بواسطته، وفي ذلك من التشريف لإبراهيم الخليل ما هو أهل له. ولفظ " رجال " هنا جمع راجل، ولفظ " الضامر " إشارة إلى الإبل التي يمتطيها الحجاج من مسافات بعيدة، فيتبعها السفر حتى يصيبها الهزال {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} والإشارة هنا إلى الإبل بالخصوص إنما جرت مجرى التمثيل، فقد كانت هي المركوب الشائع بين العرب، و " الفج " الطريق الواسع، و " العميق " هنا معناه البعيد.