ووجه كتاب الله الخطاب إلى رسوله والمؤمنين يحدد لهم معالم الرسالة الإسلامية، ويضع أيديهم على دعائمها الأساسية، التي بدونها لا ينتظم للمسلمين وجود ولا بقاء، فقال: تعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}. وهذه الأوامر الإلهية تتضمن ثلاثة إمور جوهرية: الأمر الأول: أن تكون طاعة الله والصلة به قائمة في كل وقت {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ}. الأمر الثاني: أن يكون فعل الخير بجميع أصنافه باسطا رواقه في كل مكان {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.الأمر الثالث: أن يكون المسلمون على أهبة الاستعداد للدفاع عن كيانهم بكل ما يلزم للجهاد، من عدة وعتاد {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}.
ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}، إشارة إلى أن المسلمين إذا أقاموا دولتهم على هذه الدعائم، وحافظوا على ما لديهم من شعائر ومعالم، فإنهم سيكونون الصفوة المختارة من بين البشر، التي تحيي من ملة إبراهيم ما ضاع واندثر، والتي لا تعرف إفراطا ولا تفريطا في ورد ولا صدر. ووصف إبراهيم بكونه (أبا) للمسلمين: من جهة أنه إمام الموحدين، ومقيم قواعد البيت الحرام الذي جعله الله مثابة وأمنا للناس أجمعين.