طمعا في ان يفلتوا من العتاب والعذاب. ونظرا لما اشتمل عليه هذا الربع من مقارعة وصراع مع أعداء الله ورسله لا يقدر عليهما إلا من رزق مددا إلهيا دائما، وجه كتاب الله إلى خاتم النبيئين والمرسلين الخطاب، بما يناسب المقام من التوجيهات، ولقنه جملة من الدعوات والابتهالات، يستمد بها من الله العون والمدد، وتكون له في القيام بأعباء الرسالة خير سند.
فبعد أن قال تعالى في نهاية الربع الماضي:{وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} إشارة على كونهم زاغوا عن المحجة المثلى في دنياهم وعقباهم، استرسل كتاب الله في وصف المكذبين الذين لا يؤمنون، وهم لا يزالون في الدنيا، فقال تعالى:{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} إشارة على أن الشأن في المكذبين الضالين، الفارغة قلوبهم من الإيمان واليقين، ان يكونوا مصرين على الطغيان والضلال، غارقين في أوحال أودية العناد والخبال، فلا نعمة الله عليهم ورحمته بهم، إن كشف عنهم الضر، تردهم إلى الصواب، ولا مقدمات المحن والبلايا إن ابتلاهم بها تسوقهم على خشيته والضراعة إليه، لينقذهم من العذاب، وفي مثل هذا المعنى سبق قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا