المدعوون المتمردون عليه أحيانا مضرب المثل في السماجة والبذاءة وسوء اللهجة، فيدعوه إلى الصفح عنهم والإحسان إليهم، ودفع مقالاتهم وخصالهم السيئة بأحسن الحسنات وأفضلها، تبعا للمقامات والظروف، إذ الحسنات نفسها تتفاضل فيما بينها، فقد تدفع السيئة بمجرد الصفح والإغضاء، ويقنع في دفعها بذلك، وقد يزاد على الصفح حسنة الإكرام، وقد يضاعف الإكرام بالمبالغة فيه درجة فوق درجة، فهذه الأنواع من الدفع كلها دفع بالتي هي أحسن، وقد ورد الأمر بنفس هذا المعنى في آية أخرى إذ قال تعالى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا} أي ما يلهم هذه الخصلة {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[الصافات: ٣٤، ٣٥]. ويستثني من الأمر بالمحاسنة المداراة غير المشروعة، قال الزمخشري في تفسيره الكشاف:" المداراة محثوث عليها - أي مرغب فيها - ما لم تؤد إلى ثلم دين أو إزراء بمروءة ". وقوله تعالى هنا:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} أي نحن مطلعون على ما يصفونك به، ولكننا عالمون بما أنت عليه من الخلق العظيم.
ثم قال تعالى مخاطبا لرسوله المعصوم في نفس السياق:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} يلقن رسوله الاستعاذة منها بجميع أشكالها، وذلك لتقتدي به أمته في الابتهال إلى الله أن يحفظها منها، ويعصمها من حضور الشياطين معها في أي أمر من الأمور، وفي أي حال من الأحوال، إذ لا يحث على المعاصي ويغري الناس بارتكابها