تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}. ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} قال الإمام القشيري: " أي ولولا فضل الله عليكم ورحمته لبقيتم في هذه الواقعة المعضلة، ولم تهتدوا للخروج من هذه الحالة المشكلة، إذ من الذي يهتدي لمثل هذا الحكم، لولا تعريف سماوي، وأمر نبوي، من الوحي متلقاه، ومن الله مبتداه وإليه منتهاه؟ ".
وانتقل كتاب الله من الحديث عن القذف الصادر من الأباعد ومن الأقارب، وبيان الحكم الشرعي المطلوب تطبيقه على صوره المختلفة، إلى الحديث عن أكبر وأخطر قذف قام به المنافقون في تاريخ الإسلام، وذلك في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند منصرفها من إحدى الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ووصولها متأخرة عن موكبه، بسبب اضطرارها إلى الوقوف عن السير، لقضاء حاجتها والبحث، عن عقد نفيس ضاع لها، وقصة هذا القذف هي المعروفة " بقصة الإفك "، والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، والبهتان الذي لا تشعر به حتى يفاجئك، والذي تولى كبره هو زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، وقد برأها الله مما قذفها به المنافقون، كما برأ مريم العذراء مما قذفها به اليهود المغرضون، وأقيم حد القذف الشرعي على من روج هذا البهتان العظيم، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ