وفي بداية هذا الربع كشف كتاب الله النقاب عن حقيقة فريق من الناس ضعاف الإيمان لا تهمهم شؤون المسلمين العامة، ولا يحملون لرؤسائهم المسلمين في قلوبهم وقارا، لكن تضطرهم الظروف إلى حضور مثل هذه الجموع كي لا يوصموا بالعار، حتى إذا ما حضروها أحسوا في أنفسهم بالضيق والملل، وحاولوا التسلل منها في خفية عن الأنظار، وإلى هذه الطائفة التي في قلبها مرض، وجه كتاب الله تحذيره الصريح، إذ قال تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}، إشارة إلى أنه إذا غفلت عين الرئيس المسلم الذي يرأس الجمع، أو غفلت أعين المسلمين المجتمعين فيه، عن تسلل أولئك المذبذبين، وخروجهم من الجمع مختفين مستترين، دون اعتذار ولا استئذان، حذرا من الفضيحة والهوان، فإن الله تعالى الذي يعلم السر والنجوى لا يخفى عليه من أمرهم شيء، وسيحاسبهم، بمقتضى علمه، على ما في ضمائرهم حسابا عسيرا. وكلمة (لواذا) في هذه الآية من الملاوذة، وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك، وقد كان المنافقون أول من دشن على عهد الرسالة هذا النوع من الالتواء والمخاتلة، فتركوه سنة لمن بعدهم.
وفي سياق الحديث عن " الأمر الجامع " الذي يدعو الرسول إلى حضوره وتدور حوله المناقشة والحوار نبه كتاب الله إلى أن مخاطبة رسوله الأعظم يجب ان تكون مصحوبة بالأدب اللائق بمقامه الكريم، ويشمل ذلك اللقب الذي يدعى به، واللهجة التي يخاطب بها، فلا يدعى إلا بوصفه " رسول الله " ولا يدعى إلا برفق