الحديثة التي ثبتت صحتها بعد مرور عدة قرون على إنزال الذكر الحكيم جاءت مطابقة لما في القرآن، غير مناقضة لما فيه من إشارة وبيان.
وقوله تعالى حكاية على لسان المشركين يوم القيامة:{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} يتضمن الاعتراف بأن ما أنعم الله به عليهم وعلى آباءهم من النعم المتواصلة، لم يثمر الشكر والإيمان، وإنما ساعدهم على الغرور والغفلة والنسيان، وأغراهم بالكفر والعصيان، ولما استمروا لذكر الله ناسين وعنه غافلين، أبادهم وكانوا من الهالكين.
وقوله تعالى في ختام هذا الربع:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} تقرير لحقيقة طبيعية وبشرية اقتضتها حكمة الله في الكون، ألا وهي أن الناس بحكم ما رزقهم الله من حرية الاختيار، إذ جعلهم مخيرين غير مسيرين، لا بد أن تتباعد اتجاهاتهم، وتتضارب اختياراتهم، فيوجد فيهم الضال والمهتدي، والمومن والكافر، والشقي والسعيد، الأمر الذي ينشأ عنه ابتلاء المرسلين بمن أرسلوا إليهم، وابتلاء الدعاة إلى الحق بالدعاة إلى الباطل في كل عصر وجيل، لكن الله تعالى حض حملة رسالاته الإلهية، وورثتهم من بعدهم في الأجيال الآتية، على التزام الصبر والمثابرة في مغالبة المبطلين، ومكافحة المضلين، فالنصر معقود بنواصيهم إلى يوم الدين، لأنم موضع رعاية الله وعنايته في كل حين،