ثم مضى كتاب الله يقيم الحجة تلو الحجة على وحدانية الله وقدرته، وبالغ علمه وحكمته، فلفت نظر الإنسان، في أي مستوى كان، إلى ظاهرة بارزة لا تغيب عن العين، ولا تقبل أي شك أو مين، ألا وهي ظاهرة خلق النوع الإنساني، الذي هو أرقى أنواع الحيوان، وأحسنها تقويما، وأكثرها تعقيدا، وأقدرها على حمل الأمانة والقيام بالخلافة عن الله في عمران الأرض، من نفس العنصر الذي خلق منه أبسط الحيوانات، وأضعف الحشرات، ألا وهو عنصر الماء الذي هو القاسم المشترك بين كافة الأحياء، مصداقا لقوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}[النور: ٤٥]، وقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠]، ثم ظاهرة النطفة الواحدة وهي أيضا ماء التي يخلق الله منها في آن واحد، وحمل واحد، توأمين ذكرا وأنثى، فضلا عما يخلقه منها على انفراد من الذكور والإناث، مصداقا لقوله تعالى:{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}[الطارق: ٦]، وقوله تعالى:{فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}[القيامة: ٣٩]، وإلى هاتين الظاهرتين الأصلية والفرعية يشير قوله تعالى هنا:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} وذوو " النسب " هم الذكور، إذ إليهم يقع انتساب الذرية خلفا عن سلف، وذوات " الصهر " هن الإناث، إذ بواسطتهن تتم المصاهرة ويوجد الأصهار، وعن طريق هذين العنصرين تنشأ الأسر وتتسع، حتى تصبح عشائر، وتتسع العشائر، حتى تصبح قبائل، وتتعدد