الحياة ينفخ في تلك الحروف من جلاله وعلمه وحكمته ما يجعلها معجزة باقية أبد الدهر لا قبل بها للإنسان، على ممر الزمان، ثم جاءت أول آية من هذه السورة بنفس النمط الذي جاءت به سورة الشعراء {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} وأطلق على هذه السورة " سورة القصص " أخذا من قوله تعالى في إحدى آياتها وهو يحكي ما دار بين موسى عليه السلام و (صالح مدين) في أحد المواقف الحاسمة: {فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[٢٥].
و" القَصص " هنا بفتح القاف لفظ مفرد بمعنى الخبر المحكي المقصوص، ويطلق لفظ القصص بمعنى رواية الخبر، أما القصص بكسر القاف فهو جمع قصة، وتشغل قصة موسى مع قصة قارون من قومه أكبر جزء من هذه السورة، فلقصة موسى ثمان وأربعون آية، من الآية الثانية إلى الآية التاسعة والأربعين، ولقصة قارون من قومه سبع آيات، من الآية السادسة والسبعين إلى الآية الثانية والثمانين، وبذلك يبلغ عدد آيات القصتين المرتبط بعضهما ببعض خمسا وخمسين آية من مجموع آيات هذه السورة، وهي ثمانون آية.
ومن أهم ما يلاحظ في كتاب الله بالنسبة للقصص التي تضمنها القرآن الكريم أن قصة موسى تردد ذكرها في سبع عشرة سورة، مختزلة أحيانا، ومختصرة أحيانا، ومتوسطة أحيانا، ومطولة أحيانا. وأطولها جميعا هي التي سبقت في سورة الأعراف، حيث استغرقت من آياتها خمسا وخمسين ومائة آية، ويليها في الطول