أخرى، وكتاب الله بوصفه كتاب هداية وتوجيه لا بد أن يلائم مقتضى الحال في كل الأحوال، يضاف إلى ذلك أن القصة عندما يتجدد ذكرها في سورة من السور لا محالة أنها تأتي بزوائد وفوائد، وفي ذلك زيادة في البيان، وإقامة للحجة والبرهان، على درجة الإعجاز التي ارتفعت إليها بلاغة القرآن.
وعلى ضوء هذا التنبيه نراجع الآيات التي تصدرت قصة موسى في هذه السورة، ونقارنها بما ورد في بعض السور الأخرى، ففي سورة القصص التي نحن بصدد تفسيرها نجد في الطليعة وصف المرحلة الأولى من حياة موسى عليه السلام منذ طفولته إلى أن بلغ أشده، من الآية السادسة إلى الآية الثانية عشرة، ونجد وصف الحادثة التي اشتبك فيها موسى مع عدو لقومه نصرة لرجل من شيعته، فأدت إلى مقتل ذلك العدو، واضطرار موسى إلى التوجه نحو مدين، من الآية الثالثة عشرة إلى الآية العشرين، ونجد وصف خطوبته وزواجه بابنة (صالح مدين وشيخها الكبير)، وما سبق ذلك من مقدمات، وما انتهى إليه من نتائج، من الآية الواحدة والعشرين إلى الآية التاسعة والعشرين، كل ذلك بغاية التوضيح والتفصيل، مما لم يتقدم نظيره في السور الأخرى، وإذا راجعنا قصة موسى الواردة في سورة الأعراف لا نجد فيها أي أثر لهذه الأحداث وهذه المراحل، وإنما نجد في سورة طه إشارة خفيفة إليها في سبع آيات لا غير، ونجد في سورة الشعراء إشارة خاطفة إليها في خمس آيات لا غير، ففي سورة طه سبق قول الله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا