للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمثل هذا النوع ببستان مزروع، غير أن الزرع فيه إنما يقع على طبقة ترابية غير سميكة، تنتهي بطبقة حجرية ملساء، ثم يفاجأ هذا الزرع بنزول مطر غزير عليه كالسيل، فيذهب بالقشرة الترابية التي كان ينبت فوقها الزرع، وتنكشف الأحجار الملساء على طبيعتها دون تراب ولا زرع، وتبلغ الحسرة بصاحبها إلى أقصى الحدود، عندما يبدو عجزه التام أمام القدرة الإلهية، فلا هو قادر على حفظ الزرع الذي ضاع له في الموسم الفلاحي، ولا هو قادر على تعويض التراب الذي ذهب من مزرعته مع السيل، وقد لا يعود أبدا.

فقلب المرائي والمتصدق بالمن والأذى يشبه الصخر الأملس الذي لا يمسك نباتا ولا ماء، وإيمانهما الضعيف الهزيل يشبه القشرة الترابية الخفيفة التي كانت تستر الصخر الأملس، ورياء المرائي ومن المنان وأذاه يشبه السيل الذي فاجأ الزرع، فذهب به وبالتراب، فلم يبق منهما ولا لهما أي أثر، كما ذهبت صدقة المرائي والمنان المؤذي أدراج الرياح.

أما المؤمن الواثق بربه وبفضله، الذي ينفق ابتغاء وجه الله بدءا وختاما، والذي يقوم بواجب الإحسان إلى إخوانه المسلمين عن عقيدة راسخة، وبنفس مطمئنة، فقد ضربت له الآية الكريمة المثل بما يتفق مع عقيدته وإيمانه، ويتناسب مع إخلاصه واطمئنانه، على عكس المثل المضروب من قبل للمرائي والمنان المؤذي، وذلك قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ}. أي مزرعة بهضبة عالية {أَصَابَهَا وَابِلٌ}. أي مطر غزير {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>