تندرج تحت قوله تعالى:{فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}، ومن فتح عقله وقلبه للتعرف على مثل هذه الحقائق الثابتة لا يسعه إلا أن يتلو بلسانه وقلبه وعقله، عن بينة واقتناع، قول الله تعالى في نفس المقام، دون تردد ولا إحجام:{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ثم عاد كتاب الله، إلى مواجهة الذين يجادلون في الله بغير علم، مبينا لهم ولغيرهم أنهم مهما جادلوا وعاندوا، وعصوا وتمردوا، فلن يفلتوا من قبضة الله، ولن ينفذوا من أقطار السماوات والأرض المحيطة بهم من كل جانب، إذ هم سجناؤها في الحياة وبعد الموت، فيد الله فوق أيديهم، وحكمه نافذ فيهم، أحبوا أم كرهوا، وذلك قوله تعالى:{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وقول إبراهيم لقومه فيما حكاه عنه كتاب الله:{إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يكشف الستار عن حقيقة متعارفة في سلوك الفئات الضالة في كل عصر، ألا وهي التعاون على إطفاء نور الحق، والتواطؤ على نصرة الباطل وتضليل الخلق، أما " المودة " التي يتظاهرون بها حفظا لمصلحتهم، وضمانا لسيطرتهم، فإنما هي ستار براق، وسينكشف يوم القيامة ما كانوا عليه في الباطن من شقاق ونفاق، وذلك قوله تعالى في ختام هذا