ومن آثار هذا المحق المحكوم عليهم به من الله ما يعاقب به من يتعاطون الربا من الأفراد والجماعات، ولاسيما عن طريق الكوارث الطبيعية، كالزلازل والفيضانات والأعاصير والأوبئة والأمراض وأنواع القحط والجدب، أو عن طريق المآسي الاجتماعية كالسرقات والاختلاسات والحروب، وهكذا يقبض المرابون بيد وهم فرحون مستبشرون، ويدفعون باليد الأخرى ما قبضوه وهم متشائمون كارهون {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}.
ونظرا إلى أنه لا يوجد أمر استنكره الإسلام كما استنكر الربا، أو أغلظ فيه القول كما أغلظه في أمره، إذ هو الأمر الوحيد الذي هدد مرتكبوه بحرب من الله ورسوله، فقد عالج علماء الإسلام من السلف والخلف موضوعه بكثير من اليقظة والحذر، واتفقوا على إثبات صفة (الربوية) لعدد محدود من المعاملات، فوقع الإجماع على إدراجها في الربا، وفي طليعة ما أجمعوا على منعه منعا باتا ربا الجاهلية، الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في حجة الوداع:(ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)، وهذا ما تعارفوا عليه بقولهم:" أَنظِرْني أزِدْك "، ثم اختلف اجتهاد علماء السلف وأئمتهم في عدة صور ومعاملات، مما وجدوه متعارفاً بين أظهرهم، فأثبت بعضهم لها صفة الربوية وحَكَمَ بتحريمها، ونفى بعضهم الآخر عنها تلك الصفة وأباح التعامل بها.
قال ابن كثير في تفسيره: " ومن أَجْل هذا حرم الفقهاء أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى الربا، والوسائل الموصلة