ونظرا لما يتوقف عليه استيعاب هذه المعاني الرئيسية التي تنبني عليها الحياة الزوجية، من تأمل وتدبير وتعمق، جاء التعقيب عليها بقوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَ آيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ثم عرض كتاب الله آية أخرى من آياته الكونية الباهرة، وهذه الآية تبدو لكل ذي عينين في خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنة البشر، واختلاف ألوانهم، فالشخص العادي متى سرح طرفه وأجال فكره في ملكوت السماوات والأرض لا بد أن يؤمن بأن وراء هذا الكون خالقا مبدعا حكيما:{وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}، ومتى نظر إلى تكوين الإنسان عضويا ونفسيا وعقليا وجد أنه في خصائصه العامة واحد لا تعدد فيه ولا اختلاف، ولكنه مع ذلك مختلف اللغات واللهجات، مختلف الألوان والصفات، بل إنه حتى عند استعمال اللغة الواحدة يختلف في أشكال النطق والأصوات، فمن الذي جعل من النوع الإنساني نوعا واحدا، ومن الذي جعل من هذه الوحدة أصنافا لا حد لها ولا حصر، سوى الحق سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر. أما الشخص الذي بلغ من العلم درجة كافية، فإنه يجد المجال أمامه فسيحا لاستكشاف أسرار الكون ونواميس الخليقة، مما يؤهله أكثر فأكثر، لتذوق لطائف الحكمة وعلم الحقيقة، وذلك قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَ آيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}.
وحسب قراءة (الْعَالَمِينَ) بفتح اللام كما في قراءة ورش عندنا يكون المعنى أن التعرف على هذه الآيات الكونية والبشرية