يمن عليهم بعفوه ورحمته، ولا بدخول جنته، جزاء إهمالهم في الدنيا لعبادته وطاعته، وإصرارهم على متابعة الباطل بدلا من اتباع هدايته، وذلك معنى قوله تعالى هنا (على وجه المقابلة): {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وكما يستعمل (الذوق) في الإحساس بالمطعوم يستعمل فيما تحس به النفس من مختلف الإحساسات وإن لم يكن شيئا مطعوما، ومن الاستعمال الثاني قوله تعالى هنا:{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ ... وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ}، وقوله في آية أخرى:{فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ}، و (عذاب الخلد)، هو العذاب الدائم الذي لا ينقطع.
وبعدما تحدث كتاب الله عن الفئة الغافلة المستكبرة، المصرة على التمسك بضلالها وإهمالها، أخذ يتحدث عن الفئة الواعية المؤمنة، الخاشعة لله، التي لا تفارقها خشية الله في جميع اللحظات، فوصفها بأن سماعها لكلام الله يزيدها هدى وإيمانا، فلا تلبث أن تخر ساجدة لجلاله وجماله، وتسبح في تهجدها بحمده وكماله، وإذا نامت فإنها لا تستغرق في النوم، بل تظل قلقة في مضاجعها بين الخوف والرجاء، ويهجم عليها الأرق ما بين فترة وأخرى، فتجد راحتها في التوجه إلى الله بالدعاء وعقد النية على التوجه إلى الخلق بالرفد والعطاء، وذلك قوله تعالى:{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} على غرار قوله