أحزاب الشرك والكفر، فتملكهم الخوف من كل جانب، وحالهم بعدما ولت تلك الأحزاب الأدبار، لا يهمهم إلا النجاة بأنفسهم إن توقعوا للمسلمين الهزيمة، وإذا غلب المسلمون كانوا أكثر الناس شرها وطمعا في الغنيمة، ولو أن دورهم في كلا الحالين قاصر على مجرد الدس والغيبة والنميمة، وذلك قوله تعالى:{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
ورغما عن أن أحزاب الشرك والكفر التي تجمعت حول المدينة ألقى الله في قلوبها الرعب، واضطرت إلى الرحيل، فإن المنافقين ظلوا في شك من هذا الأمر، معتقدين أنها لا تزال تحاصر المدينة، ففروا إلى بيوتهم، حرصا على السلامة، وذلك قوله تعالى:{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا}.
على أن أمنية المنافقين كانت هي أن يقع زحف الأحزاب على المدينة وهم متغيبون عنها في البادية بين الأعراب، حتى لا يتورطوا في نزال ولا قتال، ويكتفوا في هذه الحالة بمجرد السؤال: ما هي أنباء المعركة التي تدور بين المسلمين وأعدائهم؟ وذلك قوله تعالى:{وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} وإذا تظاهر أحد منهم بالاستعداد لخوض المعركة، رغبة في التجسس وحب الاستطلاع، لم يبذل إلا أقل التضحيات وأضعف الجهود، كما قال تعالى في نفس