في النجاة، {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}، فمن كان منهم في مكان سحيق لم يحل بعد المسافة بينه وبين عذاب الله، ومن حاول منهم الفرار لم يستطع أن يفلت من قبضة الله، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}(٧١: ٣٩)، ثم قال تعالى:{وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ}، أي: عندما رأوا العذاب رأي العين آمنوا بالرسول ورسالته بحكم الاضطرار، لكن الإيمان من هذا النوع وفي مثل هذا الوقت ليس له أي اعتبار، {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} أي: أنى لهم أن يتداركوا في الآخرة ما ضيعوه في الدنيا، مع أن الدنيا هي دار التكليف والابتلاء، والآخرة إنما هي دار الجزاء، ثم قال تعالى:{وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} إشارة إلى أنهم كانوا يلقون الكلام على عواهنه دون تحفظ أو تثبيت، ويتفننون في إلقاء التهم دون تريث، فتارة يتهمون الرسول بأنه ساحر، وتارة أخرى يتهمونه بأنه شاعر، وتارة يتهمونه بأنه كاهن، وتارة أخرى يتهمونه بأنه مجنون، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بريء من ذلك كله، بعيد عنه بعد السماء من الأرض، ولا سند لهم في ذلك إلا (الرجم بالغيب) والتحدي بالعناد والرفض، {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}، أي: لما كان همهم الأول والأخير وشغلهم الشاغل هو التمتع بالشهوات والملذات، في جميع الأحوال والأوقات، فوجئوا في دار الجزاء بالحرمان التام، كما فعل بمن كان على شاكلتهم من سالف الأمم والأقوام.
ثم كشف كتاب الله عن السر فيما تعرضوا له من الأهوال،